Friday 23 November 2007

الرياضيات و أسطورة الطوفان

الرياضيات وأسطورة الطوفان


أسطورة الطوفان : نجد بين الأساطير الخياليه الكثيره الوارده في الكتب القديمه أسطوره تقول أن العالم كله غرق في غابر الأزمان بفعل أمطارٍ كانت أعلى من أعلى الجبال وحسب ما يرد في هذه الكتب فإن الرب قد " ندم مرةً على أنه خلق الإنسان على الأرض " وقال:

- سأهلك البشر الذين خلقتهم على سطح الأرض ( أي على سطح الكره الأرضيه ) : من البشر حتى المواشي ، والزواحف والطيور السماويه سأهلكها ( كلها ) .

وكان الإنسان الوحيد الذي أراد الله أن يرحمه عندئذ ، هو التقى نوح . ولذلك فقد حذره الرب مما يجري من تحضيرات لهلاك العالم وأمر ببناء سفينةٍ كبيره ( وسمى في الكتب القديمه بـ " الفلك " ) بالمقاييس الآتيه : " طول الفلك ـ 300 ذراع ، عرضه 50 ذراعاً وارتفاعه 30 ذراعاً " وكان الفلك يتألف من ثلاثة طوابق . وكان يجب أن ينجو على هذه السفينه ليس نوح فقط مع أسرته وأسر أبنائه البالغين ، ولكن كل أصناف الحيوانات على الأرض. وأصدر الرب أمره إلى نوح أن يأخذ في الفلك زوجاً واحداً من كل أصناف هذه الحيوانات مع احتياطي من المأكولات لها لمدة طويله .

واختار الرب الفيضان الناجم عن الأمطار كوسيلة لإهلاك كل ما هو حي على اليابسه ووجب على الماء أن يقضي على كل الناس وكل أصناف الحيوانات التي تعيش على الأرض بعد ذلك يجب أن تظهر من نوح ومن الحيوانات التي أنقذت معه سلالةً انسانيةً جديده وعالم حيواني جديد .

ويذكر في الكتب القديمه أنه " بعد سبعة أيام جاءت مياه الفيضان إلى الأرض ... وهطلت الأمطار على الأرض طيلة 40 يوماً و40 ليله.... وتزايدت المياه ورفعت الفلك وطاف فوق الماء ... وازدادت المياه فوق الأرض بصوره خارقه بحيث تغطت كل الجبال العاليه التي توجد تحت السماء وارتفعت فوقها بمقدار 15 ذراعاً ... فهلك كل ما كان موجوداً على سطح الأرض بقي نوح فقط وما كان معه في الفلك " . وتروي الأسطوره أن المياه بقيت على الأرض ـ مدة 110 أيام أخرى ، وبعد ذلك اختفت، وغادر نوح الفلك ومعه كل الأحياء التي أنقذت ، لكي يعمر مرةً أخرى الأرض الخاليه .

سنضع سؤالين بشأن هذه الأسطوره :

1) هل كان من الممكن حدوث مثل هذا السيل الذي غطى الكره الأرضيه كلها بأعلى من أعلى الجبال ؟

2) هل كان يستطيع فلك نوح أن يتسع لكل أصناف حيوانات الأرض ؟

99- هل كان حدوث الطوفان ممكناً ؟ تقدم الرياضيات الأجوبه على هذا السؤال وغيره أيضاً .

من أين أمكن أن تأتي المياه التي سقطت مع أمطار الطوفان ؟ بالطبع من الجو فقط . وإلى أين ذهبت بعد ذلك ؟ إن التربه ما كانت لتستطيع امتصاص محيط عالمي كامل كما أنها ما كانت ، بلا ريب ، لتستطيع مغادرة كوكبنا أيضاً . والمكان الوحيد الذي أمكن أن تذهب إليه كل هذه المياه ـ هو المحيط الجوي للأرض : حيث أن ماء الفيضان كان يمكن أن يتبخر فقط ويتحول إلى غشاء هوائي للأرض . وهناك لا بد وأن تظل هذه المياه إلى الآن . إذن ، لو أن كل بخار الماء الموجود الآن في الجو قد تحول إلى ماء وسقط على الأرض فإنه لكان من الممكن حدوث طوفان مرةً أخرى ، ولغطت المياه أعلى الجبال . فلنراجع هل هذا صحيح .

نبحث في كتاب عن الأرصاد الجويه عن كمية الرطوبه الموجوده في المحيط الجوي الأرضي . سنعرف أن عمود الهواء الذي يرتكز على متر مربع يحتوي في الوسط على 16 كجم من بخار الماء ، ولا يمكن أن يحتوي أبداً على أكثر من 25 كجم . سنحسب إذن سمك الطبقه المائيه التي تتكون لو سقط على الأرض كل هذا البخار بشكل مطر . أن 25 كجم أي 25000 جم من الماء تشغل حجماً قدره 25000 سم3 . وهذا هو حجم الطبقه التي مساحتها 1م2 أي 100× 100 أو 10000 سم2. وبقسمة الحجم على مساحة القاعده نحصل على سمك الطبقه وهو 25000÷10000=2.5 سم .

أن الطوفان ما كان ليرتفع أعلى 2.5 سم عن سطح الأرض لأنه لا يوجد ماء آخر في المحيط الجوي . كما أن هذا الإرتفاع من الماء كان سيتحقق فقط في حالة عدم امتصاص الأرض للمطر الساقط أبداً .

أن الحساب الذي أجريناه يظهر أن ارتفاع الماء الذي كان ممكناً عند حدوث الطوفان إن كانت مثل هذه الكارثه قد حدثت فعلاً ، هو 2.5 سم . وهذا الرقم لا يمكن مقارنته بالمسافه إلى قمة أعلى الجبال وهو إيفرست والتي يبلغ ارتفاعها 9 كم . إن ارتفاع الفيضان مضخم في الأسطوره القديمه بما لا يقل عن 360000 مره ! وهكذا فلو كان الطوفان العظيم المطري قد حدث فعلاً فإن هذا لما كان فيضاناً أبداً ، بل مطراً ضعيفاً جداً لأنه كان سيعطي خلال 40 يوماً من السقوط المستمر كميه من المياه ارتفاعها 25 مم فقط أي أقل من نصف مليمتر في اليوم . والمطر الخريفي الضعيف ، الذي يسقط طيلة يوم واحد ، يعطى ماء يزيد عن ذلك ب 20 مره .

100- هل يمكن بناء فلك نوح ؟ والآن نبحث السؤال الثاني .

هل كان من الممكن أن يسع فلك نوح كل أصناف الحيوانات الموجوده على الأرض ؟

فلنحسب " مساحة السكن " في الفلك . فتبعاً للأسطوره القديمه كان الفلك مؤلفاً من ثلاثة طوابق . وكانت أبعاد كل طابق كالآتي : 300 ذراع في الطول و50 ذراعاً في العرض . علماً بأن "الذراع" عند الشعوب القديمه لآسيا الغربيه كان وحدة قياس تساوي تقريباً 45 سم أو 0.45 م ، وهذا يعني أنه بمقاييسنا تكون أبعاد كل طابق في الفلك كالآتي:

الطول : 300×0.45 = 135 م

العرض : 50×0.45 = 22.5 م

ومساحة الأرضيه : 135×22.5 =3040 م2 .

إذن ، إن "مساحة السكن " الكليه لكل الطوابق الثلاثه في فلك نوح تساوي :

3040×3= 9120 م2

هل تكفي هذه المساحه لوضع حتى كل أصناف الحيوانات الثدييه الموجوده على الكره الأرضيه ؟ أن عدد الأصناف المختلفه للحيوانات الثدييه يساوي حوالي 3500 . كان على نوح أن يعطي مكاناً للحيوان نفسه فقط ولكن أيضاًُ لاحتياطي العلف له لمدة 150 يوماً وهي مدة الطوفان . وأما للحيوانات المفترسه فكان يلزم وجود مكان لها ومكان للحيوانات التي تتغذى بها ، وكذلك لعلف هذه الحيوانات . بينما لم يكن في الفلك في المتوسط لكل زوج من الحيوانات الجاري إنقاذها سوى :

9120 =2.6 م2

3500

من الواضح أن هذا " المعدل المعيشي " ما كان ليكفي ، وبالأخص إذا أخذنا بعين الإعتبار أن جزءاً من المكان كانت تشغله عائلة نوح الكثيره الأفراد ، وأنه بالإضافه إلى ذلك كان يلزم ترك ممر بين الأقفاص .

ولكن وجب على نوح أن يجد المأوى في الفلك بالإضافه إلى الحيوانات الثدييه لأنواع أخرى من حيوانات الأرض ، غير الكبيره جداً ، ولكنها أكثر تنوعاً . وعددها ، تقريباً ، هو :

الطيور 13000

الزواحف 3500

البرمائيات 1400

العنكبوتيات 16000

الحشرات 360000

علماً بأن المكان كان ضيقاً بالنسبة للحيوانات الثدييه في الفلك ، فما الحال بالنسبة لهذه الحيوانات ، إنه ما كان ليكفيها بتاتاً . ووجب ليتسع الفلك لكل أنواع الحيوانات الأرضيه ، أن يكون أكبر بعدد كبير من الممرات . ومع ذلك فبالمقاييس المبينه في الكتب القديمه فإن الفلك كان عباره عن سفينه ضخمه جداً تبلغ " حمولتها " ، على حد تعبير البحاره ، 20000 طن . وليس من المحتمل أبداً أن يستطيع البشر في تلك الأزمنه الغابره حيث كان تكنيك بناء السفن لا يزال في فترة الطفوله ، بناء سفينه بهذه المقاييس . وعلى الرغم من ذلك فإن الفلك كان غير كبير بدرجه كافيه لتحقيق الغرض الذي نسبته إليه الأسطوره القديمه . ولوجب على الفلك أن يكون حديقة حيوان كامله مع احتياطي من العلف يكفي لمدة 5 أشهر .

باختصار إن الأسطوره القديمه عن الطوفان العظيم لا تتفق مع الحسابات الرياضيه البسيطه لدرجة أنه من الصعب أن نجد فيها حتى جزءاً صغيراً من أي شيء يطابق الواقع وأغلب الظن أنها استوحيت من فيضان محلي ، أما الباقي فهو من ابتداع الخيال الشرقي الغني .

No comments: